د. أيمن نور يكتب:

الحوار الوطني موعد متأخر وقانون متعجل

[لا انتخابات رئاسية حقيقية .. دون إصلاحات انتخابية وديمقراطية جوهرية]

الحوار الوطني موعد متأخر وقانون متعجل
الدكتور أيمن نور

الدكتور أيمن نور

رئيس اتحاد القوى الوطنية المصرية

الحوار الوطني موعد متأخر وقانون متعجل

[لا انتخابات رئاسية حقيقية .. دون إصلاحات انتخابية وديمقراطية جوهرية]

حتى القردة في حديقة الحيوانات يعرفون أن الانتخابات في مصر مزورة

بوسع المرء أن يستخرج من الذاكرة -ومن أرشيف الصحف- ما لا حصر له من المواعيد، التي أعلنها ضياء رشوان، لبدء الحوار المتعثر قبل -الموعد الأخير- 3 مايو 2023

الإعلان "المتأخر" عن موعد الحوار "المتعثر"، صاحبه إعلان "متعجل" عن طلب تعديل تشريعي تقدمت به الأمانة العامة -للحوار الوطني-، لرئيس الجمهورية، لتعديل نص المادة رقم 34 من القانون 198، لسنة 2017، بشأن الهيئة الوطنية للانتخابات

وهنا نشير بمزيج من الدهشة والأسف للآتي :-

① التعديل المطلوب من رئيس الجمهورية، إحالته فورًا للبرلمان، وصفه بيان مجلس الأمناء أنه يستند فيه لصلاحياته في لوائح الحوار

② أشار ضياء رشوان، في تصريح متلفز لقناة "اكسترا نيوز" أنه لا يوجد منذ 2014 أي نقد أو تشكيك من المعارضة -في الداخل أو الخارج- في إجراءات الانتخابات المصرية أو ضماناتها

③وأضاف ضياء أن مد الفترة الانتقالية الخاصة بالإشراف القضائي لما بعد 17 يناير 2024، هو أمر محل إجماع ومطلب كل القوى السياسية

 وفي البداية

أشكر ضياء رشوان، أنه لأول مرة ينتبه ويشير بوضوح للمعارضة المصرية في الخارج، التي تعمد تجاهلها في تصريحاته السابقة، حتى ولو وردت في هذا التصريح في سياق غير دقيق، ولا يعبر عن صحيح موقفها من قضايا الإصلاح الانتخابي والديمقراطي المستحق والمطلوب

 وأتمنى أن تكون هذه الإشارة لمعارضة الخارج توجهًا جديدًا وليست مجرد زلة لسان !!

فمن المضحك المبكي، أن ترى باخرة، شبت في أركانها حرائق متعددة، وظهر في جسدها ثقوب -هنا وهناك- وبدأت المياه تتدفق من كل جانب، بينما ركاب الدرجة "الأولى"، يسارعون إلى إغلاق المنافذ، ووضع المتاريس المُوصلة إلى كابيناتهم "الفاخرة"، في وجه ركاب الدرجة "السياحية" غير منتبهين أن الأولى في هذه اللحظات، هو سد الثقوب، فالغرق لا يفرق أو يعترف، بالدرجات، أو بالالتهابات الأيديولوجية، والهواجس، أو التسلخات الأمنية المزمنة !!

 لذا

فالموت غرقًا، أو حرقًا، هو المستفيد الأول، والأخير، من استمرار كل معادلات التفرقة المكانية أو الأيديولوجية، التي تجهز على ما تبقى من فرص الحياة، للجميع، في مواجهة "طوفان الغرق" لسفينة لن ينجوا -أحد ركابها- إلا بتضافر جهد، واجتهاد الجميع

[ الرد على ضياء والأمناء ]

وبعد الشكر المستحق، ليسمح لي السادة أعضاء مجلس الأمناء، وبعضهم أصدقاء وزملاء أعزاء أن أوضح لهم الحقائق الآتية :-

أولاً : كان ينبغي أن يتصدر الإعلان عن موعد 3 مايو 2023 الاعتذار عن المواعيد السابقة وعن مرور عام قبل أن يبدأ الحوار الموعود

ثانيًا : الاستناد إلى صلاحيات مجلس الأمناء للحوار الوطني الواردة في لوائحه هو أمر محل شك للأسباب الآتية :-

①.. نحن أمام استناد باطل وحالة من حالات الافتئات على ما هو منوط لزومًا بالحوار الوطني القيام به، وليس مجلس الأمناء !!

②.. لا توجد "لوائح" للحوار الوطني -كما ورد في البيان نصًا- بل لائحتين فقط، الأولى هي الصادرة بالقرار رقم (2) لسنة 2022، والخاصة بتنظيم عمل مجلس الأمناء، والثانية الخاصة بالأمانة الفنية، وأعمال اللجان

③.. لا اللائحة الأولى، ولا الثانية، تعطي الحق لمجلس الأمناء، في إنتاج مخرجات نهائية، باسم حوار لم يبدأ بعد (!!) في مصادرة مستغربة لحق من سيشاركون فيه !

④.. نصت المادة "الثانية" من اللائحة "الأولى" الصادرة في 6 يوليو 2022 على دور محدد -حصرًا- لمجلس الأمناء هو : أ- تولي إدارة الحوار ب- تحديد قواعد الحوار جـ- تحديد نظام عمل الحوار وما ينتهي إليه من مخرجات، وليس من بين هذه الأدوار إنتاج مخرجات قبل بدء الحوار !!

⑤.. وفي كل الأحوال، هذه اللوائح الصادرة بقرارات داخلية، ليست حجية في مواجهة الغير، فهى ليست نصوصًا دستورية أو تشريعية تخول حقوقًا لمجلس الأمناء تتجاوز دوره المنطقي، وإلا فما قيمة دعوة المشاركين في الحوار المقرر البدء فيه 3 مايو القادم 2023؟! وما هو وجه العجلة إذا كان النص الانتقالي المطلوب تمديده مستمر حتى العام القادم؟!

إذا كانت النقاط الخمس السابقة تتصل بعوار مجلس الأمناء من حيث الاختصاص والشكل، فلدينا عوار خطير أكثر خطورة يتصل بالموضوع

[.. ثالثًا : [ اجتزاء ضياء ]

ثمة عنصر أخر -وخطير- برز في التصريح المتلفز الذي أدلى به منسق عام الحوار الوطني، ضياء رشوان لقناة "اكسترا نيوز"

والذي حاول فيه أن يخلط الأوراق، من خلال اجتزاء مخل لمسألة الإشراف القضائي من حزمة المطالب الإصلاحية للانتخابات في مصر، والتي تصاعد الحديث عنها، مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية المصرية 2024

إذ قال ضياء رشوان أن هذا المطلب محل إجماع القوى السياسية -في الداخل والخارج- وأنه من مكتسبات ثورة يناير، وضمانة للانتخابات النزيهة

أما عن الفخ السياسي الذي سعى ضياء أن يجر قدم المعارضة إليه هو عندما قال :-

"لا يوجد منذ 2014 أي نقد أو تشكيك في إجراءات الانتخابات المصرية أو الضمانات الخاصة"

الرد على ضياء :-

① الإشراف القضائي ليس من مكتسبات ثورة يناير، بل هو من ثمار أحكام المحكمة الدستورية العليا في عصرها الذهبي -في زمن مبارك- حيث قضت المحكمة، بأن الإشراف القضائي المنصوص عليه في الدستور، لا يتحقق إلا بالإشراف الكامل على كل صندوق، وليس بوجود قضاة في اللجان العامة -فقط- كما كان معمولاً به في سنوات حكم مبارك الأولى، وبالتالي ما الجديد الذي تقدمه أمانة الحوار؟ ويروج له كأنه الإصلاح الوحيد المنتظر !!

② من قال للأستاذ ضياء أن إشراف القضاء هو الضمانة الوحيدة التي تطلبها القوى السياسية، التي عانت ومازالت تعاني من انتخابات مُدارة أمنيًا، وتتحكم الأنظمة في نتائجها، رغم وجود الإشراف القضائي

③ أذكر شخصيًا، على سبيل المثال، أنه في الانتخابات الرئاسية الأولى في تاريخ مصر، عام 2005، والتي نافست فيها مبارك، استبعد وزير العدل، (1700) قاض بالأسم، من الإشراف على اللجان -ورفعنا دعوى قضائية بذلك- كما مُنعت الرقابة الأهلية، وتم الاعتداء بالضرب والطرد على عدد من نواب البرلمان الأوربي في عدد من الدوائر الانتخابية أمثال ادور ماكميلين سكوت نائب رئيس البرلمان الأوربي الذي تم الاعتداء عليه في دائرة باب الشعرية وآخرين معه

④ من المغالطة المفضوحة القول بثقة الشعب والقوى السياسية في الداخل والخارج (كما قال ضياء) في العملية الانتخابية التي تمت منذ دستور 2014، فحتى القردة في حديقة حيوانات الجيزة يعرفون أن مصر لم تشهد انتخابات واحدة، رئاسية، أو برلمانية نزيهة -قبل أو بعد- انتخابات 2012 اليتيمة !!

⑤ لم يمنع الإشراف القضائي في مصر اعتقال المنافسين في زمن مبارك والسيسي، ولم يمنع تزوير الانتخابات، وإنتاج أسوأ برلمانات في تاريخ مصر، ولم يمنع عملية الانتخاب العكسي، التي حالت بين حق المواطنين المؤهلين للترشح بفرض شروط مستحيلة عليهم والدفع بغيرهم أمثال "موسى مصطفى موسى" .. إلخ

[ لا انتخابات رئاسية دون تعديل قانونها ]

ربما من حسن الحظ أن الأمانة العامة للحوار الوطني تضم قيادات بارزة في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية مثل الدكتور عمرو هاشم ربيع وكذلك ضياء رشوان

وهنا أؤكد أن السعي لانتخابات رئاسية جادة وحقيقية ينبغي أن يصاحبه جهد إصلاحي تشريعي لعدد من النصوص الدستورية والتشريعية خاصة قانون الانتخابات الرئاسية الذي يغط بالشروط التعجيزية والمفصلة التي وضعت في عهد عدلي منصور وسط مخاوف لم يعد هناك محلاً لها الآن

 ولابد من تخفيف كافة الشروط التعجيزية والمفصلة لأشخاص بعينهم، فيكون وفقًا للأصل الدستوري من له حق الانتخاب له حق الترشيح -خاصة- أن معظم هذه الشروط التعجيزية هي غير دستورية

.. وهنا ..

أحيل لدراسة نقدية هامة أعدها مركز الأهرام للقانون رقم 174 لسنة 2005 والتعديلات المأساوية التي أُدخلت عليه في 2011 (وأتمنى من الجميع قراءة هذه الورقة حتى مَن ساهموا فيها)

رسالة لمعارضة الداخل قبل 3 مايو

① [.. حتى لا نكون العجلة الخامسة في عربة الاستبداد

② [.. حتى لا نكرر أخطاء الماضي، التي مازال فأسها في الرأس

③ [.. حتى لا يبرر بعض الذين يتسابقون في الرداءة أنهم كانوا لا يعلمون

④ [.. حتى لا يدعي بعض الميكافيليون أنه لم يكن بالإمكان أبدع مما كان

⑤ [.. حتى لا يقع بعض الطوباويون بسذاجة في شرك التمثيل المشرف بدلاً من التغيير المستحق، أو شرك مد الإشراف القضائي وكفى !!

أولاً التوافق على الشروط : لابد قبل 3 مايو 2023 الدخول لساحة الحوار الوطني باسم الجماعة الوطنية، حاملين أجندة واضحة ومحددة -ومتوافق عليها- تحدد الاشتراطات الواجبة لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة، ويتعهد كل من يتصدى للمشهد الانتخابي في 2024، ألا يقبل بغير ما تتفق عليه الجماعة الوطنية، ومن يقبل دون ذلك، تسقط عنه شرعية تمثيل الجماعة الوطنية، وقوى التغيير الديمقراطي، ويعلن أنه معارضة "مغشوشة" وتكرار لمهزلة 2018

وعدم الدخول في تفاوض ثنائي أو منفرد مع النظام بكافة صوره، واعتبار الإصلاحات السياسية والانتخابية هي على رأس أولويات الحوار الوطني، واستخدام كل أوراق الضغط لإدراك هذه النتيجة التي ستقود لتغيير حقيقي ومستحق وينتظره الشعب المصري

10 مقترحات لنزاهة الانتخابات :

① الرقابة الدولية الشاملة هي المطلب الأول، والمقصود بالشاملة أنها ليست مجرد رقابة على الصناديق والفرز، بل رقابة سابقة على هذا لكل مراحل العملية الانتخابية

② تعديل النصوص الدستورية والقانونية لرفع القيود المفصلة التي أدخلها السيسي على دستور 2014 وتعديلات 2019 ليكون حق الترشح مكفول لكل مصري ولإضافة حصانة للمرشحين خلال المعركة الانتخابية

③ إسناد مهمة إدارة العملية الانتخابية لمفوضية وطنية تتفق السلطة والمعارضة على اختيار أسماء القائمين عليها، وينظم القانون إجراءات للطعن على النتائج أمام جهة قضائية عليا

④ توفير ضمانات قانونية تفصيلية للنزاهة والشفافية في كل مراحل العملية الانتخابية وحق المنظمات الأهلية المصرية في الرقابة وإثبات الاعتراض على أي مخالفات، والالتزام الكامل بما أشار إليه اعلان العالمي لنزاهة الانتخابات الصادر عن البرلمان الدولي في باريس عام 1994

⑤ الالتزام بالمادة رقم (3) من البروتوكول رقم (1) للاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان، وكل ما تتضمنه من معاني ومفردات لمفهوم انتخابات حرة ونزيهة، وكذلك قواعد العمل التي أصدرتها اللجنة المستقلة لانتخابات جنوب أفريقيا 1994

⑥ فرص متكافئة في الدعاية بين المرشحين في كل وسائل الإعلام ومنع استخدام ومنع استخدام الدولة لأموالها وأدواتها لصالح مرشح السلطة أو غيره

⑦ إصدار الأوراق الثبوتية للمصريين بالخارج دون تمييز حتى لا يحرم مصري بالخارج (14 مليون) من حق الترشح والتصويت، وكذلك العودة الآمنة للمنفيين بالخارج بسبب حرمانهم من وثائق السفر

⑧ السماح لجهات الإعلام المحلية والدولية بمتابعة كل مراحل العملية الانتخابية والالتزام بالحياد الكامل وفقًا لمواثيق الشرف الإعلامي وما تضعه المفوضية العليا من شروط وضمانات

⑨ فرز الأصوات في اللجان الفرعية والإعلان عن النتائج في كل لجنة بمعرفة القضاة، وإثبات أي ملاحظات للمراقبين المحليين أو الدوليين

⑩ والشرط العاشر والأخير والأهم على الإطلاق هو تهيئة المناخ العام لعملية انتخابية حقيقية وذلك من خلال الآتي الإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين، وإصدار عفو عام في قضايا الرأي والقضايا ذات الطبيعة السياسية، ورفع الحجب عن كافة المواقع الصحفية ورفع الرقابة على وسائل الإعلام، وإقرار الحق الدستوري في التجمع السلمي والتجمعات الانتخابية بمجرد الإخطار، ووضع ميثاق شرف للدعاية الانتخابية

د. أيمن نور 

الأثنين 27/03/2023

 رئيس اتحاد القوى الوطنية المصرية بالخارج

مرفق رابط كتاب أوراق الحوار الشعبي المصري 2022 (اضغط هنا)