
د.أيمن نـــــــــــــــــــــــور يكتب:
الرؤساء بين "الفلاتر" وزلات اللسان


في البيت الأبيض وفي معظم المؤسسات الرئاسية والقصور الملكية، توجد وظيفة كاتب خطاب الملك أو الرئيس، وهو في العادة ليس شخصًا واحدًا، بل مجموعة من الأشخاص يضاف إليهم عدد من المستشارين
في العادة كل خطاب أو كلمة يلقيها رمز الدولة تمر بمسار طويل بين كتابة المسودة الأولى واعتمادها في الصيغة النهائية بعد مراجعات تتم في اجتماعات تدور فيها حوارات صاخبة حول عبارة أو جملة لاستبدالها بغيرها، أو تغيير صياغتها
وحتى في اللقاءات الصحفية والإعلامية للملوك والرؤساء، والتي قد تبدو عشوائية، لكن في الحقيقة كل هذه الأمور تكون مرتبة وبدقة
وأذكر أن مبارك يومًا صرف وأقال عدد كبير من مستشاريه بسبب أنهم لم ينتبهوا لكلمة فلتت منه في حديث له مع جزيل خوري في قناة العربية، ولم ينتبهوا لها، عندما قال معظم الشيعة من أتباع أو موالين لإيران
فمثل هذه الأمور لا تسير في العادة بعشوائية أو يتم التسامح معها كونها قد تحدث أزمات كبيرة
وأحسب أن المشكلة الحقيقية هي في نوع من الحكام والمسئولين الذين لا يقاومون فتنة الميكروفونات والكاميرات وأوهام خفة الظل والتلقائية التي تتصادم مع منطق "الفلاتر" التي يرى بعض الحكام أن كلامهم يمر من خلالها .. قبل أن ينطلقوا في ثرثرة لا سقف للعك فيها، على غرار رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق "بيرلسكوني" الذي لم يُترك له الميكرفون إلا وكانت زلات لسانه وبالاً عليه.
ربما لا ينافس السيسي في زلات اللسان من بين الحكام العرب، إلا الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبه، والرئيس التونسي السابق السيبسي، الذي يشترك مع السيسي في مكونات حروف الأسم، وفي بعض زلات اللسان، التي تحولت في الحالتين إلى نوادر، حتى أن البعض يقول أن زلات الكلام لدى السيسي والسبسي كملح الطعام..
فكما قال السيسي يومًا "كل اللي مايرضيش ربنا إحنا بنعمله" قال السبسي في (10 مايو 2017) عوضًا عن الآية الكريمة " وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَٰطِلُ ۚ إِنَّ ٱلْبَٰطِلَ كَانَ زَهُوقًا" قال عوضًا عنها (إن الحق كان زهوقا)
وكما قال السيسي ندعم حق الشعب الإسرائيلي والشعب الإسرائيلي، وكما قال بطلوا هري، قال السبسي للشعب التونسي "انتوا بالكم أنا قاعد في قصر قرطاج أدور في أصابع قدمي"
وأعتقد أن زلات لسان السياسيين أمرًا وارد الحدوث ومشترك فيه ساسة غربيين وأمريكيين وعرب، لكن المقصود هنا هو أن تكون زلة اللسان في خطأ في أسم شخص أو مدينة أو ما شابه
وأنا شخصيًا حضرت موقفًا عام 1996 حيث كنت ضمن وفد برلماني دولي في لقاء بمنزل السفير المصري في بروكسل مع وفد كويتي، إذ بالدكتور فتحي سرور في كلمته ترحيبًا بالوفد الكويتي يرحب برئيس الوفد أحمد السعدون، لكنه أخطأ في الأسم وقال أسم رئيس البرلمان "العراقي" بدلاً من "الكويتي" مما أحدث توترًا في الأجواء، خاصة أننا كنا في مرحلة قريبة من تاريخ الغزو العراقي للكويت !!
مثل هذه الأخطاء عادة تمر، وتتحول لمجرد مزحة يتندر بها من حضروها والسوشيال ميديا والإعلام..
ويبقى صنف أخر من زلات اللسان للحكام التي لا يمكن التسامح بشأنه، لأنه يكشف عن مكنون في عقل وصدر هذا الحاكم، وكما قال علي بن أبي طالب رضى الله عنه :
(مَا أَضْمَرَ أَحَدٌ شَيْئاً إِلاَّ ظَهَرَ فِي فَلَتَاتِ لِسَانِهِ) وزلات كلامه، ويقول فرويد أبو علم النفس عن زلات اللسان أنها مرآة تكشف اللاوعي، والأخطر أن نكون أمام عبارات متكررة تنطوي عن استخفاف بالشعب، أو قدّره أو كرامته
<.. فكم غضبنا يومًا عندما قال مبارك بعد 30 عامًا على المعارضة في البرلمان (خليهم يتسلوا) وشعرنا بالإهانة من رئيس الدولة، فكيف لا نشعر بهذا والكلام موجه للشعب كله، وبلغة خطاب لا تليق لا بالرئيس ولا بالشعب الذي أتى به
فكيف يقول رئيس لنور عينيه (بطلوا هري) ؟!!
وكيف يتكرر هذا الخطأ ليتجاوز حدود الهفوة اللسانية، إلى المنطق الآمر الذي انطلقت منه عبارات على غرار "ماتسمعوش كلام حد غيري" !!
إن الحكام الذين يأتون ويرحلون بأصوات وإرادة شعوبهم، هم من يحترمون شعوبهم ويوقروهم، ولا يتحدثون إليهم بظهورهم، ولا يحقرون من رأيهم ومواقفهم، ويعتبرونها "هري" وهذا هو مربط الفرس
د. أيمن نور
09/01/2023