
د.أيمن نور يكتب
الانتقام بالديمقراطية .. [ أنور ونور .. وعزيزة إسماعيل ] [ حكاية موحية لزعيم لم يقتله الظلم .. ]
![الانتقام بالديمقراطية .. [ أنور ونور .. وعزيزة إسماعيل ] [ حكاية موحية لزعيم لم يقتله الظلم .. ]](https://egyna.org/thumb/photo/0/0/ar/upload_photo/2022-11-25/1669387543_1_1669387543_46Wpy3GYTQ.png)

<.. قلبي الذي يحدثكم، ثلاث غرف (أثنين أوزين وبُطين) والرابعة، صالة، اختزن فيها أشيائي، وأشلاء متناثرة، من ذكرياتي
<.. مازال قلبي يعمل بثلاث أرباع طاقته، والربع الأخير، غرفة صامتة، مصمتة، مرهقة، لا تعمل تحت إرادتي، تحتاج تصريحًا، من العقل الباطن، مع كل دقة تنتجها، أو تطلقها، في محيط مجهول الأعماق، والأبعاد
<.. قديمًا قال الفرنسيون "الانتقام، طبق، لا يؤكل إلا باردًا (!!)
<.. ورغم أني لم أشتهي هذا الطبق، على مدار 58 عامًا، هي كل عمري، إلا أني أراه لا يؤكل -كغيره- بالشوكة والسكين، بل بالديمقراطية (!!)
<.. في فبراير 2009، خرجت من اعتقال بدأ بعد أيام من خوضي الانتخابات الرئاسية، وحلولي ثانيًا بعد مبارك، وامتد لسنوات طويلة..
<.. وفور خروجي من الاعتقال، قرر الاتحاد الليبرالي الدولي، نقل مكان انعقاد مؤتمره في هذا العام، إلى القاهرة، احتفالاً بحريتي، وكانت أجمل هدية، في هذا المؤتمر، هو تعرفي على ذلك الشاب الكندي الواعد، الذي أصبح لاحقًا رئيسًا لوزراء كندا، ونموذجًا نبيلاً لليبرالي "الإنسان" بالفطرة ..
<.. أما التكريم الأكبر الذي نُلته في هذا المؤتمر، كان هو حضور الدكتور أنور إبراهيم، نائب رئيس وزراء ماليزيا، ووزير ماليتها، والرقم الصعب في نهضتها، والذي خرج توًا هو الأخر، من اعتقال طويل، بعد شيوع أنباء منافسته المحتملة، للرئيس مهاتير محمد، الذي بدأ حكمه -مثل مبارك- عام 1981
<.. فجأة اكتشف مهاتير، أن وزيره الهمام، ورئيس وزرائه المحبوب ليس إلا مجرمًا معتاد الإجرام!! بل وممارس للرذيلة والشذوذ!!
<.. لم يصدر الرئيس قرارًا باعتقال منافسه، ولم يتورط «بيده» في تلك التحقيقات التي باشرتها النيابة التي يعيّن كبيرها، ولم يتدخل الرئيس في القضية التي تم تداولها أمام محاكم وقضاة مختارين بعناية فائقة من الرئيس وأعوان الرئيس!!
<.. اكتشف أنور إبراهيم، المتدين، الخلوق، أنه تحول من منافس على رئاسة أكبر دولة إسلامية في العالم، إلى متهم بجرائم جنائية، وأخلاقية، لا تمس فقط صورته كمرشح، وسياسي، ولا تمس- فقط- كرامته كزوج للسيدة عزيزة إسماعيل ووالد للناشطة السياسية نور أنور، بل تمسه كرجل وإنسان !!
<.. كنت أتابع من سجني أخبار المحاكمات الهزلية للرجل، وأستمد منه بعض قوتي
<.. كان أنور إبراهيم يقف شامخًا في قفص الاتهام، بينما النظام يدفع ببعض الصبية والغلمان المأجورين للادعاء عليه أنه تحرش جنسيًا بهم! كما يدفع النظام بالإعلام ليلعق من دم الرجل الشريف، ويغتال سمعته، في نهاية تصور النظام أنه قضى نهائيًا على الرجل ولمشروعه السياسي، والانتخابي وربما حياته!!
<.. صدر حكم قضائي ضد الرجل، وأودع أقذر سجون ماليزيا، وقضى سنوات طويلة في غياهب السجون، ممنوعًا من العلاج والدواء، والحد الأدنى للمعاملة الإنسانية، حتى تدهورت صحته، وظل العالم الحر يذكر الرجل، ويطالب بإنهاء المهزلة والإفراج عنه ولو صحيًا، كمخرج للنظام الذى لا يريد الاعتراف بجريمته التي ارتكبها بحق أنور إبراهيم.
<.. في نهاية عام 2008 خرج أنور إبراهيم بعد قضاء ثلاثة أرباع مدة العقوبة، محاصرًا بشهوة النظام في التهام لحمه، أو ما تبقى من مشروعه السياسي، فبعد أقل من عام واحد لفقت قضايا جديدة لأنور إبراهيم لمنعه من خوص الانتخابات البرلمانية التي خاضتها زوجته عزيزة إسماعيل عن نفس دائرته الانتخابية!!
<.. وبعد أيام قليلة من خروجي من سجني تلقيت مكالمة هاتفية من أنور إبراهيم يبلغني فيها بحضوره للقاهرة لتقديم التهنئة لي بخروجي من سجني، في إطار المؤتمر الدولي لليبرالية.
<.. التقيت دكتور أنور إبراهيم لأول مرة في فندق سميراميس، على طاولة غذاء جمعتني به وبعض زملائي بـ«الغد»، حيث تبادلنا ذكريات السجون، والقهر والاستبداد باسم القانون وبيد القضاء.
<.. دمعت عيني وعينه مرات عديدة أثناء اللقاء من كثرة التشابهات والمقاربات، -في الأسماء والأحداث- حقًا للاستبداد دين واحد، ومنهج واحد، وأشكال متقاربة باختلاف الأزمان والبلدان!!
<.. في نهاية لقائي بأنور إبراهيم، وأنا أودعه، قبل مغادرة طائرته بدقائق، قال لي: زيارتي لك لم تكن لتقديم التهنئة بخروجك من السجن.. الذي كنت أتابع أخبارك فيه منذ خروجي من السجن، بل كي أنبهك وأحذرك أن المعركة الحقيقية بدأت ولم تنته!!
<.. وبعد أقل من عام رفض القضاء الماليزي مجددًا تبرئة أنور إبراهيم مما لحق به من أحكام، وبعد عام آخر صدرت أحكام جديدة ملفقة ضده، ثم صدر حكم بتبرئة أنور إبراهيم.. وأعلن عن معاودة استعداداه لخوض الانتخابات!!
<.. فهمت، الآن، مقولة الوداع التي شدد أنور إبراهيم عليها، في اللقاء الأول الذي جمعنا.
<.. فهمت أيضًا أن الظلم يأتي سريعًا، وعلى عجل، وقد يستمر سنوات طويلة، لكنه لابد أن ينقشع وتنتصر الحقيقة..
<.. أدهشتني قدرة أنور إبراهيم، على التسامح مع اعتقاله، وحاول اغتيال سمعته وكرامته (مهاتير محمد) عندما قبل التحالف معه، مقابل تعهد مهاتير بتسليمه رئاسة الوزراء، إلا أن مهاتير عاد ونقض العهد للمرة الثانية !!
<.. أذكر أني حضرت ندوة لمهاتير محمد، في مكتبة الإسكندرية، وعندما دعاني مدير المكتبة لمصافحة مهاتير، ضمن عدد قليل من الحضور، فاعتذرت بشدة، فكنت ولازلت أرى دم أنور إبراهيم، يلوث يد ووجه مهاتير !!
<.. فرغم غدر مهاتير بأنور إبراهيم مرة، وخيانته مرة أخرى، لم يضع أنو إبراهيم مهاتير في دائرة الانتقام الشخصي، جعل الديمقراطية هي التي تنتقم ..
<.. كانت الانتخابات الأخيرة في ماليزيا، درسًا موحيًا، لكل دي عينين، وعقل، فقد قرر الشعب أن يعلن احتقاره الشديد لكل الأكاذيب والافتراءات، ومحاولات التشويه المخططة والملفقة والمنفذة -خلال عقود- ضد أنور إبراهيم.. الذي نال ثقة الشعب، وكُلف برئاسة الوزراء
<.. بينما "ظالمه" الرجل الذي قارب القرن من عمره، مهاتير محمد، فقرر الشعب أن يسقطه في دائرته البرلمانية بصورة مُهينة، حيث لم يحصد سوى 1/9 من أصواتها !!
هكذا يكون انتقام الديمقراطية، أشد قسوة من انتقام البشر لأنفسهم ولكرامتهم..
<.. الغرفة المعطلة في قلبي، تدق بشدة، باتجاه ماليزيا، وكأنها تقول لي :- "واجبك -الآن- أن تذهب لتقدم التهنئة لأنور إبراهيم بمناسبة حرية وطنه، كما جاء -يومًا- ليهنئك ببعض حريتك..
<.. من قلبي كله.. أقدم كل التهنئة والحب، والتقدير، للزعيم الكبير، أنور إبراهيم، ولنجلته الأبنة العزيزة، نور العزة، ولزوجته المقاتلة الصامدة البطلة عزيزة إسماعيل
د. أيمن نور
25/11/2022