شيء من الخوف .. جمال مبارك وقطار الدهشنة

[ مصر بحاجة لبديل مدني وليس فرعونًا بطعم العسكر ]

[ مصر بحاجة لبديل مدني وليس فرعونًا بطعم العسكر ]
الدكتور أيمن نور

الدكتور أيمن نور

رئيس اتحاد القوى الوطنية المصرية

"حملة جديدة بعد -13 عامًا- تحمل نفس العنوان

وبنفس الآليات والعبارات والصور

تحت عنوان :

"جمال مبارك رئيسًا لمصر" (!!) "

[.. السؤال الغلط، الذي يطرحه البعض، بقدر من السذاجة أو رغبة "الاستعباط" وخلط الأوراق، هو :

<- أي الشرين أكبر؟ الوريث بالدم؟ أم الوريث بالتوظيف؟

<.. كمن يسألك الاختيار، بين القذي في العين .. أم العمى ؟!

[.. بات أكثر الناس عذابًا في مصر، هم الذين يحاولون فهم ما يجري فيها، فكل الأشياء، والأحوال، والمآلات، مسكونة بالغموض، بالألغاز بالأسرار، محاطة بأسوار عالية، من علامات التعجب والدهشة، من تلك الأسئلة التي تنساب، وتنسكب، كدموع العين حين يصيبها القذي، كعرق الجلد، حين تلفحه الشمس، كخفقان القلب المثقل بالأوجاع

<.. ككل ما سبق، تنطلق حمى الحديث في مصر الآن، عن جمال مبارك، بديلاً "مدنيًا" للحكم "الفرعوني" "السلطوي" العسكري !!

[.. ولما "لا"؟! .. ولما "نعم"؟!

<.. سؤال لا يملك أحد إجابة حاسمة له، "بلا" أو "نعم" (!!)

<.. فالأصل في الأشياء الإباحة، والأصل أن يرى فريق من الناس رأيًا، ويرى فريق أخر رأيًا مغايرًا، ويكون للغالبية من الناس الرأي الحاسم، والأخير، في شكل وصورة التغيير الذي يطمحون إليه، ويدفعون أثمانًا من أجل إدراكه، في الحاضر، والمستقبل

<.. قد يتصور البعض، أني من حيث المبدأ، ضد تواجد جمال مبارك على الساحة السياسية، أو مناهضًا لفكرة ترشحه لرئاسة الجمهورية، على خلفية موقفي المعلن منذ 2002 من محاولات تقديمه بديلاً وحيدًا، ووريثًا لوالده، الرئيس الأسبق مبارك

وكذلك تأسيسي للحملة الشعبية ضد التوريث 2010 – مرفق رقم (1) فيديو لتدشين الحملة بمقر الغد

<.. وأحسب أن هذا الظن، في غير محله، فملف التوريث بالدم، أو البنوة، أُغلق برحيل مبارك الأب عن السلطة في فبراير 2011، وبرحيله عن الحياة عام 2020

<.. ويبقى الآن أن جمال هو مواطن مصري، ربما يكون لديه الحق القانوني في الترشح، وربما يكون لديه عقبات قانونية من عشرات العقبات التي يكبل بها القانون الحق في الترشح للرئاسة

<.. لكن السؤال الصحيح الذي يستحق البحث والإجابة عليه هو

[ -هل جمال مبارك يصلح أن يكون هو البديل "المدني" للحكم "الفرعوني" السلطوي والعسكري القائم في مصر ؟

<.. وإجابة السؤال تقتضي الفصل والتفصيل بين صلاحية جمال مبارك (كبديل) وبين صلاحية جمال مبارك كبديل لحكم "سلطوي" "فرعوني" "عسكري"

<.. في البداية .. من ينحازون لجمال، يرون أنه من أقوى الأسماء –الجديدة- المطروحة "كبديل" عام 2024 –خاصة- إذا قورن بغيره من الأسماء المطروحة مثل : أحمد طنطاوي – محمد أنو السادات ومرشحين ومتنافسين أخرين –من رحم النظام- وأقل شهرة مثل : محمد بدران، وحسام بدراوي، وبعض الأسماء العسكرية المطروحة .. إلخ

<.. ويرى أصحاب هذا الرأي ما يتساندون إليه هو خمسة نقاط هي :-

① جمال مبارك معروف بين قطاعات واسعة من الشعب المصري منذ العقد الأخير من حكم والده (2002 – 2011)

② جمال يحظى بقبول (دولي) وإقليمي (خليجي) أكثر من غيره، ويشير هذا الفريق لاستقباله بحفاوة الرؤساء في الإمارات وكلمته بالإنجليزية من هناك – مرفق رقم (2)

وكذلك احتفاء الصحف والصحفيين الإسرائيليين به وأخر مظاهره تغريدة إيدي كوهين الأخيرة يوم 10 أكتوبر 2022 – مرفق رقم (3)

 

③ جمال سيلقى دعمًا من الدولة العميقة التي تنتمي تاريخيًا لدولة مبارك

④ جمال سيجد أصواتًا من التي تصاعدت بعد رحيل مبارك تحت لافتة (أسفين يا ريس) تسعى لترجمة هذا الشعار لاعتذار واقعي بانتخاب نجله

⑤ جمال مبارك تربى في قصور الرئاسة والحكم –وليس غريبًا على دهاليز هذه القصور وليست غريبة عليه- منذ نعومة أظافره وعمره 18 عامًا، إلى أن غادر القصور للسجون عندما بلغ الـ 48 عامًا .. ورغم خبراته السابقة وإلمامه بأدوات الحكم، إلا أنه يعد وجهًا جديدًا وواعدًا رغم بلوغه الـ 60 سنة هذا العام

<.. على الجانب الأخر يرى فريق أخر –وأنا منهم- أن جمال مبارك قد تنطبق عليه أوصاف "المنافس" على الحكم، ولكن لا يمكن أن تنطبق عليه أوصاف البديل "المدني" للأسباب العشرة التالية :-

① جمال أبن مؤسسة الحكم السلطوي "الفرعوني" فإن كان "مدنيًا" بملابسه –فقط- فكل قيم الدولة السلطوية الاستبدادية تسكن تحت جلده، وتسري في عروقه ودمه، فهو أبن أبيه، وأسيرًا لتجربة مبارك "الأب" التي استمرت 30 عامًا في الحكم..

② زيوع صيت جمال وشهرته بين الناس ليس لكفاءته أو نجاحاته، لكن لارتباطه الوثيق بمشروع سياسي خائب، "التوريث" الذي خرج الشعب المصري ضده أو على الأقل قطاعات واسعة منه، وكان هذا المشروع سببًا لانقلاب ورفض عدد من مؤسسات الدولة لاستمرار مبارك في مقدمتهم الجيش والمخابرات العامة في عهد عمر سليمان

③ فشل النظام الحالي في تحسين حياة المصريين، لا يعني أن جمال قادرًا على إدراك هذه الغاية، ويسوق هذا الفريق أدلة مختلفة أبرزها، حديثًا لجمال مبارك في يوليو 2008، مع دورية يصدرها الحزب "الديجولي" الفرنسي، أجراه "باسكال درو" وأعادت "الأهرام" نشره مترجمًا بمعرفة مدير مكتبها في باريس، خالد سعد زغلول، وقال فيه جمال نصًا :- "إذا لم تتحسن حياة المصريين قبل –مايو 2010- فعلينا أن نكون شرفاء، ونعترف بفشلنا !! ولا نكمل المسيرة !!" ولو كان جمال صدق فيما قاله ووعد به، في يوليو 2008 وتنحى عن المشهد، بعد مزيد من التدهور في حياة المصريين (2008 – 2011) ربما كان أنقذ والده وحكمه، مما تعرض له في يناير 2011، وبالقطع ليس من الحكمة إعادة تجريب المجرب –خاصة- أن جمال مبارك ومجموعته السياسية والاقتصادية كانت هي الحاكم الفعلي لمصر في العقد والفصل الأخير من مسرحية حكم مبارك والتي أُسدل الستار عنها، بدراما لا معنى من تكرارها، بذات أبطالها، أو جمهورها، حتى لو صفق البعض لها على سبيل النوستولوجيا .. مرفق رقم (4) مقال في 19 أغسطس 2010 قبل ثورة يناير

④ لا ينتمي جمال مبارك، للمدرسة "الليبرالية" الحقيقية، ولا غيرها من المدارس الفكرية، بل هو أبن للمدرسة "الفرعونية" وأذكر هنا شهادة للراحل مؤخرًا الصديق جهاد عودة، الذي كان عضوًا بلجنة سياسات جمال مبارك، وخرج في حديث على محطة "مودرن مصر" بتاريخ الثاني من أغسطس 2010، مع الإعلامي معتز مطر، وقال الدكتور جهاد نصًا :-

( نظامنا السياسي المصري (الفرعوني) لا يعرف المؤسسات، وأن الفرعون يحكم مصر منذ سنوات) في مفاجأة مسكونة بالمفارقة المدهشة، فالمتحدث هو أحد رجال نظام مبارك نفسه، وأحد مسوقي مشروع توريث جمال (!!) – مرفق رقم (5) مقال لي في 4 أغسطس 2010

⑤ لا يمكننا أن ننكر أو نغفل، ذلك التشابه –لحد التطابق- بين حملة الترويج لجمال مبارك (2009 / 2010) وبين الحملة التي انطلقت مؤخرًا بما يوحي بشدة أن العقل المدبر والأدوات المنفذة متشابهة .. فمن يتابع المشهد يجد أن جمال مبارك لم يقل كلمة واحدة تفيد بشروعه أو رغبته في الترشح لا في الماضي أو الحاضر، لكنه يعطي إشارات واضحة في الماضي من خلال كل تحركاته وفي الحاضر من خلال كلمته في الإمارات، وزيارته لقبر الجندي المجهول في 6 أكتوبر 2022، والتي انفجرت بعدها حملة الرجاء التي تطلب من المنقذ أن يتفضل بقبول رجاءات الشعب الذي يشتاق لعدله ولحكمته وحكمه (!!) دون أن تطلب منه مشقة أن يغسل يده مما حدث في عهد والده، أو يقدم نفسه وبرنامجه، فالرجل أكبر من أن يَطلبُ، لكنه يُطلب !! بينما الحقيقة أن مصر كبيرة عليه في الماضي وفي الحاضر والمستقبل

مرفق رقم (6) حملة جمال مبارك رئيسًا في 2010

مرفق رقم (7) حملة جمال مبارك رئيسًا في 2022

مرفق رقم (8) حملة مصر كبيرة عليك

⑥ القول أن مبارك سيكون فرعون صغير لا يقارن بالفراعين الكبار الذين حكمونا هو هزل في موضع الجد، فمصر التي ترفض الحكم الفرعوني والعسكري في عهد ناصر والسادات ومبارك والسيسي، لم تعد تحتمل فرعون كبير مثل الذي يحكمنا، ولا فرعون صغير، حاول أن يحكمنا من قبل، بل مصر تستحق ان يكون السيسي هو "الفرعون" الأخير !!

⑦ الحديث عن بديل مدني، يقتضي أن تكون مظاهر مدنية هذا البديل أعمق وأبعد من لون ملابسه، وشكل الكاب الذي سيضعه فوق رأسه، بل لابد أن يكون لهذه المدنية أمارات ومواقف ثابتة، فما موقف جمال مبارك من اعتقال أصحاب الرأي في زمن والده وفي هذا الزمن؟! وما هو موقفه من قضية تيران وصنافير، وبيع أصول مصر للصديقة الإمارات، وما هو موقفه كمدني من سيطرة الجيش على مقدرات الوطن الاقتصادية والسياسية في زمن والده؟ وفي هذا الزمن؟ وما هو موقفه من وجود 60 ألف معتقل سياسي في السجون الآن؟

<.. وإذا كان جمال مبارك يرى أن ما حدث في يناير 2011 كان انقلابًا على رئيس منتخب، فما هو موقفه مما حدث في 3 يوليو 2013؟! هذه الأسئلة وغيرها عشرات بل مئات الأسئلة، ولن يجيب عنها جمال مبارك كي يعرف الناس هل هو فعلاً بديل مدنيًا أم مدني القالب استبدادي المحتوى ؟! لو أجاب جمال علي مثل هذه الأسئلة إجابات صحيحة لكنت أول من يسانده وأسحب كل تحفظاتي عليه

مرفق رقم (9) مقال لي بعنوان 25 سؤال لجمال مبارك

⑧ لعلي أرى أنه من المفيد أن أذكر هنا فارقًا جوهريًا بين مدنية جمال وموقفه من التوريث، وموقف نجل القذافي سيف الإسلام القذافي، الذي تواكب طرح أسمه في نفس المرحلة التي كان يروج فيها لجمال مبارك، لكن سيف القذافي الذي كان يحضر –مثل جمال ومعه- مؤتمر دافوس الاقتصادي، حيث أدلى بحديث صحفي في (3 فبراير 2009) للزميل خالد محمود الصحفي بصحيفة "الشرق الأوسط" أعلن فيه دعوته علنًا لتعديل الدستور كي لا يكون الدستور مفصلاً من أجل والده ثم من أجله (عكس ما فعله جمال) فضلاً عن إدانته لاعتقال المعارض الليبي عتيقة بتهم ملفقة وساذجة .. مؤكدًا أنه يعتزل العمل السياسي نهائيًا لأنه اكتشف أن وجوده في الحياة السياسية أصبح يعوق الإصلاحات المطلوبة وليس العكس، وهذا هو العكس تمامًا لموقف جمال مبارك في نفس الفترة

مرفق رقم (10) مقال لي بعنوان سيف القذافي

⑨ الجسور!!.. الواقعي!!.. العلمي!!.. المؤسسي!!.. العملي!!.. النظامي!!.. المقدام!!.. المصر!!.. الشديد!!.. غير العنيد!!.. المتصدي!! الأمين المساعد!!.. الصادق!! الدقيق!!.. المصارح!!.. المجادل!!.. المواجه!!.. المتمرد!!.. المجدد!!.. المؤثر!!.. المكاشف!!.. المتسامح!!.. المتجرد!!.. المتحدي!!.. المتواضع!!.. القارئ!!.. الكريزمي!!.. المطور!!.. المتواصل!!.. المتعقل!!.. العميق!!.. الأستاذ!!.. الأنيق!!.. المغامر!!.. الصبور!!.. الجدي!! المثابر!!.. الملتزم!!.. الصارم!!.. المنظم!!.. المستمع!!..المرتب!!.

هذه الأوصاف ليست هي الأسماء الحسني!! لكنها بعض من الأوصاف التي ضمها، وجمعها مقال واحد، في مدح جمال مبارك!!

نشرته صحيفة حكومية هى روز اليوسف العدد 1004 الصادر يوم الثلاثاء 28 أكتوبر 2008 بقلم رئيس تحريرها بعنوان «الجسور»

وإذ بالكاتب يقدم لنا «نصف إله».. أستغفر الله-بعد أن نعت جمال مبارك بقرابة 50 وصفاً واسماً عبر سطور مقال واحد لو اجتمعت في رجل لكان شخصاً معصوماً منزهاً من نقائص البشر وطبائعهم!!

المقال المدهش في الاجتزاء، والمغالطة، لا يمكن تفسيره أو فهمه في إطار حملة التلميع التي شاركت فيها صحف الدولة وإعلامها الملاكي لجمال، بل هو تجسيد لحالة من الشطط المنكور التي تستوجب تحريرها في محضر «إثبات حالة» باعتبارها واقعة بالغة الدلالة، على قبول جمال لهذا النفاق الرخيص قبل أن يتولى أي سلطة رسمية، فما بالنا بعد أن يصبح رئيسًا؟

«المهزلة» الأكبر أننا أمام حالة من حالات الإفساد «المبكر» الذي يمارس جهاراً نهاراً بحق شخص لم يعتل مقعد الحاكم فهل هذا يدعو للثقة في الرجل في المستقبل ؟!

⑩ [ حكاية قطار الدهاشنة ]

اسمحوا لي وأعطوني بعضًا من صبركم لأروي لكم هذه الحكاية نصف الواقعية، والتي يمكن أن تلخص كل ما أردت أن أقوله وكل الذي لم أرغب في البوح به في هذا المقال ..

<.. الحكاية هي حكاية قرية الدهاشنة في مركز بلبيس شرقية، والتي يتوسطها شريط قطار السكة الحديد يشطرها شطرين، الأول بحري السكة الحديد، والثاني قبلي السكة الحديد

<.. ذات يوم أسود انزلق القطار من على قضبانه ليقتحم الشطر البحري من القرية، فقتل عشرات وأصاب مئات من أهل القرية، وهدم في طريقه مساجد ومنازل

<.. اتصل عمدة وأهالي الشطر الثاني من القرية (قبلي السكة الحديد) برقم تليفون لطلب أطقم طبية لإسعاف الجرحى والمصابين، وإذ بالرجل يكتشف ومعه أهل القرية أن الأطقم الطبية، التي حضرت لإسعاف الجرحى ما هي إلا مجموعة من اللصوص من عصابة عتريس المتخصصين في سرقة الأعضاء البشرية، أعملوا كل أسلحتهم البيضاء في تقطيع أجساد المصابين من أهل الدهاشنة "بحري"

<.. وعندما أدرك العمدة، وأهل القرية، حجم خطورة الخطأ، الذي وقعوا فيه، صاح على سائق القطار مستنجدًا به، طالبًا منه أن يعود بظهر القطار للخلف ليقضي على عصابة "عتريس"، وإذ بالقطار يعود بكامل سرعته للخلف، فيدهس عصابة عتريس، وقبلهم أهالي الدهاشنة بحري ثم أهالي الدهاشنة قبلي والعمدة .. وفؤاده !!

[<.. وأخيرًا ..

<.. إن أروع وصف قرأته للغباء .. هو أن تفعل نفس الأشياء وتنتظر نتيجة مختلفة (!!)